‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطلاحات قانونية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطلاحات قانونية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 6 مايو 2018

مفهوم الايديولوجيا


لم يكن مفهوم الايدولوجيا منذ ظهوره بمعزل عن مفهومي التاريخ والمجتمع وحين نقول ذلك فإننا نشير إلى الطبيعة الصراعية التي تميزبها المجتمع الذي تكون ونما فيه مفهوم الايديولوجيا . فقد ارتبط هذا المفهوم بالثورة الفرنسية 1789 ( في معهد فرنسا 1796ابتدع الفيلسوف الفرنسي دوستوت دوتراسي كلمة الايدولوجيا . وكان يرمي من ورائها سيما في عصر شهد تغيرات في أسماء جميع المؤسسات إعطاء اسم جديد لتلك الفلسفة التي هيأت للثورة كما كان لابد من تبديل كلمة ميتافيزيا التي فقدت رونقها بكلمة إيديولوجيا التي أضحت تدل على علم الأفكار أي العلم الذي يبحث في صفات الأفكار وقوانينها وسماتها وخاصة أصولها ) (1) كان لمفهوم الايدولوجيا دلالة ثورية إلا انه سرعان ما اخذ معاني سلبية من موقع الفكر السائد وذلك حين استخدمه نابليون للقدح والسخرية من أعضاء شعبة العلوم الأخلاقية والسياسية في معهد فرنسا وقد كان جل الأعضاء من الرافضين لطبيعة النظام السائد في شكل السلطة الفردية المطلقة .

فبسبب موقفهم نعتهم نابليون بالإيديولوجيين. وبعد الثورة البورجوازية في أوربا تحولت الايديولوجيا إلى سلاح فعال ومشروع سياسي واجتماعي ساهم في حركة التغيير ( وكان على الحركات الصاعدة وهي تحاول التغيير أو الثورة أو الاحتجاج أن تكون أكثر صراحة وقوة في التعبير عن نفسها كبديل ومن ثم جاء الحديث عن الايديولوجيا على صورة لا ينقصها الوضوح فضلا عن التنظيم والتفصيل حتى يبدو هذا البديل الجديد مكتملا في عناصر مكوناته ) (2) ومن ثم حاول مفكرو القرن الثامن عشر صياغة نظرية للوعي الاجتماعي كعلم للأفكار يميز بين الوعي الصحيح والزائف ( ولكن محاولتهم هذه بالذات كانت إيديولوجية فهي لم تفض إلى وضع نظرية الايديولوجيا وإنما جاءت تتويجا عاميا لايدولوجيا جديدة هي الإيديولوجية العقلانية البورجوازية الصاعدة التي على الرغم من كل مزاعمها بالشمولية ليست إلا طبقة خصوصية في التاريخ . لم تجد صعوبة بعد استيلائها على الحكم في أن تعتمد صياغة كل شعاراتها لتكرس خصوصيتها وأنانيتها الطبقية وانفرادها بالسلطة ) (3) هكذا نلاحظ أن مفهوم الايديولوجيا تحرك داخل حقل الصراعات الطبقية وذلك باعتباره شكلا من أشكال الوعي الاجتماعي . واخذ معاني واستعمالات كثيرة وذلك باختلاف الموقع الفكري الاجتماعي للباحث أو للطبقات الاجتماعية.

وقد اخذ هذا الشكل من الوعي الاجتماعي مع بداية التنظير الماركسي معنى سلبيا ( إذا كان التعبير عن العلائق الواقعية للأفراد تعبيرا خادعا وإذا كان هؤلاء الأفراد يقبلون الواقع رأسا على عقب في تصوراتهم فما ذلك إلا نتيجة لفعاليتهم المادية المحدودة ولما يترتب عنها من علائق اجتماعية ) (4) إلا انه بدا يدل بعد ذلك على البنية الفوقية بما فيها من سياسة ودين وفلسفة وقانون وفن …إلا أن مفهوم الانعكاس الآلي بين البنية الفوقية والتحتية عمق التباسات شوهت الفكر الماركسي القائم على المادية الجدلية.

لقد كان مفهوم الانعكاس المباشر وراء الفهم الاقتصادي الذي لحق الماركسية . وفي هذا السياق نشير إلى كروتشي الذي يرى بان المادية التاريخية ( هي أدهى من أن تكون ميتافيزيقية أو لا هوتية إذ هي تشطر وحدة الواقع إلى بنية وبنية فوقية أي إلى مفهوم في ذاته من جهة وظاهرة من جهة ثانية واضعة في الأساس – وكمفهوم في ذاته – إلها خفيا هو الاقتصاد بيده كل الأمور وهو الحقيقة الوحيدة وراء مظاهر الأخلاق والدين والفلسفة والفن وغير ذلك . هذا ما يجعل المادية التاريخية عاجزة تماما ولو عن تكوين نظرية للشعر والفن . إذ كل المفاهيم التي تصوغها في هذا الصدد وكل المبادئ التي يمكن أن تقدمها لا تكون لها أبدا طبيعة جمالية بل دائما طبيعة اقتصادية . المادية التاريخية تحد الاقتصاد في كل مكان ولا تجد في مكان ما الفن أو شكلا روحانيا أخر )(5)إن هذا التحليل البسيط يغفل علاقة التعقد بين البنيتين . فإذا كان ماركس يرى بان الحياة المادية هي المحددة لأشكال الوعي الاجتماعي فذلك لا يعني أن الاقتصاد وحده المحدد لوعي الناس . إن وحدة البنية الاجتماعية هي وحدة تناقضية تتشكل من مستويات متداخلة ومترابطة في علاقات معقدة بين السياسي والإيديولوجي والاقتصادي . ( فعندما كان ماركس وانجلز يتكلمان عن الايديولوجيا كانعكاسات وكأصداء لعملية الحياة لا يجب أن يترجم ذلك ليعني بان المجتمع يطلق الإيديولوجيات تماما كما يصعد البخار من ماء يغلي …فهناك مستويات أخرى غير الاقتصاد لها استقلال نسبي – كما يقول ماركس – وهي أيضا محددات للايديولوجيا ) (6) ولنستمع إلى ماركس حين يقول ( يجب التمييز دائما بين التغيير المادي لظروف الإنتاج الاقتصادي الذي يمكن معاينته بطريقة علمية محكمة وبين الأشكال القانونية والسياسية والدينية أو الفلسفية أي باختصار الإيديولوجية التي فيها يعي البشر هذا النزاع ويقودونه حتى منتهاه .
وكما انه لا يحكم على الفرد استنادا إلى الفكرة التي يكونها عن نفسه كذلك لا يمكن الحكم على فترة التغيير استنادا إلى وعيها لذاتها . يجب على عكس ذلك تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية أي بالنزاع الموجود بين القوى الإنتاجية وبين علاقات الإنتاج ) (7).

إن التأكيد على دور الحياة الاقتصادية في بلورة وإنتاج أشكال الوعي الاجتماعي لا يعني بان البنية الاقتصادية هي وحدها الفاعل بل هي علاقة معقدة بين البنيتين . كما أن العامل الاقتصادي في تعبير ماركس وانجلز ليس اقتصاديا خالصا لان السلعة لا تكتسب قيمتها من طبيعتها المادية بل ( علاقة اجتماعية معينة بين الناس تكتسي عندهم شكلا خياليا للعلاقة بين الأشياء ) (8).

إن العامل الاقتصادي ليس محددا وحيدا بل يكتسب هذا الطابع انطلاقا من علاقة جدلية من الترابط والتفاعل وفي هذا الصدد يقول انجلز في رسالة إلى بلوخ 1890 ( العامل المحدد في التاريخ حسب التصور المادي للتاريخ وفي نهاية الأمر إنتاج وإعادة إنتاج الحياة الواقعية لم نجزم قط أنا وماركس أكثر من هذا فإذا شوه احدهم هذا الموقف معتبرا أن العامل الاقتصادي هو العامل المحدد الوحيد فهو يجعل منه جملة فارغة مجردة غائبة . الوضع الاقتصادي هو القاعدة ولكن مختلف عناصر البنية الفوقية…

تفعل أيضا فعلها في مجرى الصراعات التاريخية وتحدد شكلا بطريقة بارزة مسيطرة في حالات كثيرة ) (9) ونحن نحاول فهم استقلالية الايدولوجيا في تكونها وفي فعلها في الوجود المادي الاجتماعي فان ذلك لا يعني أن ظهورها يتم بمعزل عن الواقع بل إن ذلك يتم في إطار الديناميكية الجدلية بين الفكر والواقع ومن خلال تطور الحركة التاريخية في شموليتها .( إن ربط التصورات بذاتها وإعطائها شعورا وهميا باليقين لحاملها كان أساس النقد الذي مارسه ماركس وانجلز في كتابتهما للإيديولوجية . كان هذا النقد نقدا للذاتية في الإيديولوجية التي تتوهم أنها حرة مستقلة ) (10) نفهم من هذا أن الإيديولوجيات لها علاقة بالطبقات الاجتماعية بأهدافها ومصالحها .من ثمة تعبر الإيديولوجية إراديا وبشكل واضح داخل حقل الصراعات الاجتماعية عن مواقف وطموحات فئة أو طبقة اجتماعية.

معنى ذلك أن للإيديولوجية فعل في حركة تطور المجتمع والفكر فهي ليست بسيطة بل لها دور مزدوج على مستوى الوعي الاجتماعي ،على الإيديولوجية ذاتها وعلى الأساس الاقتصادي أيضا . إن التحديد الماركسي للإيديولوجية كوعي زائف ومغلوط هو ما جعل بعض المفكرين بمختلف تخصصاتهم يعتقدون بأن الفكر الماركسي ينفي أي فعل لها .يقول في ذلك انجلز ( فكرة غبية عند الإيديولوجيين مضمونها انه بما أننا نرفض أن يكون لمختلف القطاعات الإيديولوجية التي تلعب دورا في التاريخ تطور تاريخي مستقل فإننا بالتالي نرفض أيضا كل فاعلية تاريخية لهذه القطاعات الإيديولوجية وهذا معناه الانطلاق من تصور ساذج غير ديالكتيكي للعلة والمعلول كقطبين يؤثر الواحد في الأخر بصورة متصلبة ومعناه الانطلاق من الجهل المطلق للفعل المتبادل ) (11) إن هذا الربط الاجتماعي للإيديولوجية و اعتبارها تصورا ورؤية للعالم تتبناها طبقة أو فئة معينة هو ما جعل البعض يرى فيها فقط الوعي الزائف الحاجب للحقيقة على اعتبار أنها غير قادرة على إعطائنا رؤية كونية للمجتمع ككل وفي هذا الاتجاه يقول كارل مانهيم بان الإيديولوجية ( نتاج عقلي وظيفته حجب الطبيعة الحقيقية لمجتمع ما وهي تنبع تلقائيا من عقول أولئك الذين يستهدفون تثبيت نظام اجتماعي معين ) (12) ومن خلال تحليل مانهيم لتطور الايديولوجيا تاريخيا واجتماعيا انتهى إلى تقسيمها إلى معنى عام وهو عبارة عن رؤية فكرية تحمل مشروعا حضاريا اجتماعيا… والى معنى خاص وهو شعوري ونفسي . وإذا ما تمسك الإنسان بالمعنى الخاص يمكنه بالتالي إذا كان راغبا في ترك تحيزاته أن يفكر بطريقة حرة .يرفض مانهيم الايديولوجيا باعتبارها وعيا مشوها للواقع الحقيقي وذلك لارتباطها بالمصالح الذاتية للطبقة.

وبالمقابل يحاول تحديد موقع المثقفين كفئة قادرة على صياغة رؤية شمولية تتجاوز المأزق الطبقي حيث يقول ( إن التراث العلمي المشترك يؤكد على الاتجاه إلى نبذ الخلافات الموروثة الفئوية والمهنية وفي إطار التملك بينما يتوحد المتعلمون الأفراد من خلال هذا العلم ) (13) بهذه البساطة المثالية للمعرفة والتعليم يتحدث ما نهيم عن المثقفين كفئة آتية من فوق واقعها الذي يتميز بطابعه الاجتماعي في شتى حقول الصراع . إن مانهيم يتغافل عن الطبيعة الطبقية للتعليم التي يعترف بها الذين يسيرون شؤون المجتمعات سياسيا واقتصاديا…

من السذاجة أن نعتقد بالجامعات الحرة في مجتمعاتنا العربية حيث يتم تصفية القطاع الطلابي كقوى منتجة .

مشاركة مميزة

أساتذة القانون يطالبون بولوج مهنة المحاماة

أثارت مسودة مشروع مهنة المحاماة، التي أعدتها جمعية هيئات المحامين بالمغرب، نقاشا واسعا في صفوف أساتذة القانون بمختلف كليات الحقوق على الصع...

المشاركات الشائعة